بلاغتنا المعرفية والذكاء الاصطناعي بين التشابه والاختلاف ــــ مقاربة إجرائية ــــ

إنّ الاتجاه المعرفي الذي سارت عليه البلاغة العربية يوضح بشكل كبير وجه المقاربة مع أبحاث اللسانيات المعرفية التي اعتنت بالبنية التصورية في التمثيل الذهني وما يشكله  الفضاء الذهني وما يخزنه الذهن البشري من قدرة على بناء تصورات على وفق طرائق معينة من الانتظام المعرفي، إن كل قدمته بلاغتنا المعرفية في عرض آليات التفكير الذهني ولاسيما في مبحث الاستدلال مع  أضربه وصوره والاحتمالات الفرضية له ، فضلا عن القياسات الذهنية  في التقسيم والسّبر والاستقراء والتمثيل ، هو عمل  ابتكاري  سابق لزمانه وهو بطريقة ما يحاكي الذكاء الاصطناعي ، ولا سيما في عملية  (هندسة التلقين ) التي تحاكي العقل البشري عندما يقوم فيها بتوجيه حلول الذكاء الاصطناعي لتوليد المخرجات التي يرغب بها ، فيتطلب معلومات مفصلة لإنشاء مخرجات عالية الجودة وذات صلة ، ولكن ثمة اختلاف يكمن في (جوهر الذكاء) الذي يعكس نمط التفكير البشري، وما يطلق عليه بـ(الواقع الذكي) الذي لا يضطلع به الذكاء الاصطناعي، فتجلى هذا النمط الذكاء في بلاغتنا المعرفية ببعدها التداولي، بمراعاة قصد المتكلم ونواياه وحال السامع وظروفه؛ ليغطي بطريقة منهجية منظمة المساحة التي أنتجت المقولة المشهورة (لكل مقام مقال) .