التحديات المجتمعية للعلمانية - تركيا والعرب أنموذجاً-
الملخص
نال موضوع العلمانية والعلمنة اهتمام الباحثين والدارسين والمثقفين ولا يمكن فهمها إلا من خلال معالجة الافكار والآراء والمفاهيم التي خرجت بمضامين العلمنة فكراً وتطبيقاً في المجتمع العربي والعالم الإسلامي منذ بدايات القرن العشرين ولاسيما في الدول والمجتمعات التي تسعى إلى النمو والتقدم، من خلال الانتقال من التقاليد والقيم والأعراف المتوارثة إلى القيم والمفاهيم الجديدة المستندة على القوانين المدنية وتحديث تلك المفاهيم. فهي بنظرهم اشاعة للحياة المدنية في المجتمع، من خلال الادراك الحي لقوى العقل وتطبيق الحياة المدنية والالتزام بحقوق الانسان فهي تدعو إلى تحرر الانسان من كل القيود القديمة المكبلة له فحسب رأيهم ومن ثم يمكن ان نقول انها نزعة دنيوية لا دينية.ولا بد من وقفة للعودة إلى بدايات ظهور العلمنة حيث شهدت أوربا من القرن السادس عشر بدايات حركة التنوير والثورات الداخلية دعوات إلى الاعتماد على المعرفة وآليات التفكير المدني والانساني وعلى الحياة العلمية والعقل وتحرير الفكر وصناع القرار من هيمنة رجال الدين وسلطاتهم المطلقة. في حين ان بواكر الدعوات داخل الدولة العثمانية كانت في أواخر القرن الثامن عشر وظهرت في منتصف القرن التاسع عشر بإعلان عدد من التشريعات والقوانين والتي اطلق عليها اسم "التنظيمات" في حين كانت العلمنة نبراس حركات التحرر العربي والاحزاب السياسية القومية في ايديولوجياتها منذ بدايات القرن العشرين.وبعد الغاء الخلافة العثمانية عام 1924 غالى العلمانيون الاتراك كثيراً بالنزعة الدنيوية واستطاعوا ان ينتجوا مؤيدين ومناصرين لهم ولاسيما داخل المدن تربوا على قيم وافكار قومية بعيدة عن الدين وحضوا بدعم من المؤسسة السياسية الحاكمة بينما بقيت اطراف المدن التي كانت تعيش حياتها العامة مستندة إلى القيم والمبادئ والتراث الخالد بعيدة عن الافكار الدنيوية الجديدة آنذاك، لذلك يمكننا القول بأن المؤسسة السياسية التركية لم تستطع أن تقضي على القيم والاصول الدينية بالرغم من مغالاة العلمانيون الاتراك بالاهتمام الدنيوي على حساب القيم الروحية المتجذرة لدى الافراد والعامة داخل المجتمع وبقيت افكارهم وآرائهم وكتاباتهم وثقافتهم لا تخرج عن التأثيرات الدينية بالرغم من اقترابهم ولاسيما مثقفيهم من الاوربيين وتطلعاتهم إلى بناء مجتمع مدني.لقد شهد العرب والاتراك معاً واقع الانتقال من العثمنة إلى العلمنة بعد ان عاشوا معاً ما يزيد عن اربعة قرون، لكن ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، نجد بالرغم من كل الاشكاليات ان الخيارات المستقبلية للعرب والاتراك ستكون غير متشابهة لاختلاف الظروف والمتغيرات ولاسيما ما يتعلق بالمشاكل القادمة لهم، لكن الوعي الديني والتدين البعيد عن التطرف سيكون هو الحاضر والمشترك بينهم.