تشكيل الصور الشعرية في نونية البارودي

تعد الصورة الشعرية عنصراً مهماً جداً من العناصر التي يتشكل منها النص الشعري اللغوي، وتكمن وظيفتها الأساسية في توضيح وتقريب المعاني والدلالات الشعرية التي ينطوي عليها النص الشعري. ويمكن أن تظهر هذه الأهمية للصورة الشعرية في قصيدة " محا البين " للشاعر المصري " محمود سامي البارودي" والتي كانت خير مثال على التزام الشعر العربي الكلاسيكي بالتعبير الصوري كوسيلة لتوضيح المعاني والمقاصد الشعرية، بدلاً من الرمز والأساطير التي تقوم عليها النصوص الشعرية الحديثة. ونتيجة التمعن في قراءة النص المختار ظهرت أنماط متعددة من التشكيل الصوري في القصيدة، وقد انقسمت بشكل عام على قسمين محددين: القسم الأول هي أنماط التشكيل النفسي والوجداني التي انبثقت من معاناة البارودي النفسية حين نفي عن وطنه وأهله بفعل موقفه السياسي، وهي تشكيلات صورية غير واضحة الملامح، لازالت خطوط ملامحها تتشكل بفعل التشويه والتحرك والتحول الوجداني للشاعر بعد أن انقلبت محاور حياته رأساً على عقب، وبات يدور في فُلك المتاهة المكانية النفسية في منفاه.أما القسم الثاني من أنماط التشكيل الصوري في قصيدة "محا البين" فقد تشكلت من تحول نمط الخطاب الشعري بعد أن اتضحت المعالم الحقيقة للحياة بالنسبة للبارودي. فقد تناوب موقفه بعد أن وصل إلى نقطة اللاعودة في منفاه، وبعد فقد الأمل تماماً في الرجوع إلى زمنه الماضي. فظهرت أنماط من الصور المتناوبة التي تحاكي هذا الحال. كما تشكلت بفعل استمرارية الخيبة وتراكمات الفقد والعزاء الذاتي للنفس، بعض الصور الشعرية المنقلبة والتي توضح انقلاب الموقف الذاتي والفلسفة الخاصة بالشاعر وهو في منفاه. فضلاً عن ظهور تشكلات بعض الصور المفارقة التي كانت تأكيداً لهذا الموقف الخاص بالبارودي.