صوم التاسع من محرم والعاشر فی میزان المحدثین والفقهاء
الملخص
فَمُنْذُ فَتْرَةٍ لَیْسَتْ بِالقَصِیْرَةِ کَانَتْ تُرَاوِّدُنِی بَیْنَ الحِیْنِ وَالحِینِ أَفْکَارٌ عِدَّةٌ حَوْلَ أَحَادِیثِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَکَیْفِیةِ التَّوْفِیقِ بَیْنَهَا بِلا تَعَارُضٍ وَلا تَضَادٍ ، بِحَیْثُ تَتَفِقُ وَلا تَخْتَلِفُ ، وَتَأْتَلِفُ وَلا تَتَنَافَرُ ، وَتَجْتَمِعُ وَلا تَتَفَرَّقُ . وَتَزْدَادُ الأُمُورُ تَفْکِیْرَاً کُلَّمَا مَرَّ عَلَیْنَا شَهْرُ مُحَرَّمٍ ، إذْ فِیهِ یَوْمٌ عَظِیمٌ مِنْ أَیَّامِ الله تَبَارَکَ وَتَعَالى ، والَّذِی وَرَدَ فِی فَضْلِهِ مِنَ الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الشّیءُ الکَثِیرُ ، فَإنَّ المنَاسَبَاتِ الإسْلامِیَّةَ الکَرِیْمَةَ تَأتِی لِتُحَرِّکَ شُعُورَاً جَمِیلاً لَدَى المسْلِمینَ ؛ لیُقبِلوا عَلَى الله فَیَزْدَادُوا طُهْرًا وَصَفَاءً وَنَقَاءً ، وَهَذِهِ الجُزْئِیةُ لا نِقَاشَ لنَا فِیْهَا ، وَلَکِنَّ الجَدَلَ یَکْثُرُ فِی المسَاجِدِ وَالمنْتَدَیَاتِ وَشَبَکَاتِ التَّواصُلِ الإجْتِمَاعِیِّ حَوْلَ صِیَامِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ مِنَ النَّاحِیةِ الفِقْهِیَّةِ وَالحَدِیثیَّةِ . فَوَقَعَ فِی نَفْسِی أَنْ أَخُوضَ غِمَارَهُ ، وَأَجْمَعَ أَحَادِیْثَهُ ، وَأَنْظُرَ فِی شُروحَاتِهِ وَفِی کُتُبِ الفُقَهاءِ عَلَى المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ وَغَیْرِهَا ، وَانْخُلَ کُتُبَ الغَرِیبِ وَاللُّغَةِ ، وَمُتَونَ الأحَادِیثِ وَزَوَائِدَهَا وَأُدِیْمَ النَّظَرَ فِیْهَا طَوِیْلاً ، وَطَلَبْتُ مِنَ البَارِی عَزَّ وَجَلَّ أَنْ یُیَسِرَ لِی فَهْمَ الأحَادِیثِ بِشَکْلٍ صَحِیحٍ وَفَهْمٍ دَقِیقٍ ، فَفَتَحَ الله عَلیَّ بِمَنَّهِ وَکَرَمِهِ ، حَیْثُ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْمَعَ الأحَادِیثَ وَأعْمَلَ بِجَمِیعِ الأدِلَّةِ عَنْ طَرِیقِ تَقْسِیمی لِصَوْمِ عَاشُورَاءَ إلى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ ، کُلُّ مَرْحَلَةٍ لَها ظُرُوفُهَا وَمُلابَسَاتُهَا وَأَحَادِیْثُهَا ، ثُمَّ تَأتِی المرْحَلَةُ الَّتِی تَلِیْهَا وَهَکَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الحُکْمُ وَوَضُحَتْ المسْأَلَةُ . فَکَانَ تَقْسِیمی لِلْمَرَاحِلِ کَمَا یَلِی : المرْحَلَةُ الأوْلَى الَّتِی مَرَّ بِهَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ کَانَتْ مُنْذُ الجَاهِلِیَّةِ إلى هِجْرَةِ النَّبِیِّ r لِلْمَدِینةِ المنَوَّرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّانِیةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِینةَ إلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ إلى فَتْحِ مَکَةَ ، وَالمرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالأخِیْرَةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدینةَ بَعْدَ الفَتْحِ إلى الوَفَاةِ . وَلِکُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنَ المرَاحِلِ الأرْبَعِ أَحْکَامٌ خَاصَّةٌ بِها حَسَبَ الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الوَارِدَةِ فِیْهَا. وَمِمَّا زَادَنِی فَرَحَاً وَغِبْطَةً وَسُرُورَاً أَنَّ هَذَا التَّقْسِیمَ لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَلا عِنْدَ شُرَّاحِ الحَدِیثِ وَلا عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنَ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ وَلا غَیْرِهَا ، لا القُدَمَاءُ وَلا المحْدَثِینَ مِنْهُم ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ الله عَلیَّ وَمِنَّتِهِ . هَذَا وَقَدْ اقْتَضَتْ طَبِیْعَةُ البَحْثِ أَنَّ أُقَسِّمَهُ بَعْدَ هَذِهِ المقَدِّمَةِ إلى تَمْهِیدٍ وَثَلاثَةِ مَبَاحِثَ وَخَاتِمَةٍ . تَکَلَّمْتُ فِی التَّمْهِیدِ عَنْ فَضْلِ شَهْرِ الله المُحَرّمِ وَفَضْلِ عَاشُورَاءَ وَغَیْرِ ذَلِکَ . وفِی المبْحَثِ الأوَّلِ تَحَدَّثْتُ عَنْ لَفْظِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ فِی اللُّغَةِ وَالاصْطِلاحِ وَما فِیْهِمَا مِنْ إشْکَالاتٍ لُغَوِیَّةٍ وَاصْطِلاحِیَّةٍ وَأَجَبْتُ عَنْهَا فِی مَطالِبَ ثَلاثَةٍ . وَفِی المبْحَثِ الثَّانِی تَنَاوَلْتُ أَحَادِیْثَ عَاشُورَاءَ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَقَسَّمْتُهَا إلى مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ ، وَهِیَ المرَاحِلُ السَّابِقَةُ الَّتِی ذَکَرْتُها . وَفِی المبْحَثِ الثَّالِثِ عَرَّجْتُ عَلَى حُکْمِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ ، وَیَقَعُ فیِ مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ . ثُمَّ الخَاتِمَةُ الَّتِی لَخَصْتُ مَا جَاءَ فِیْهَا مِنْ نَتَائِجَ ، وَأَجْمَلْتُ فِیْهَا مَا تَوَصَلْتُ إلیهِ مِنْ خِلالِ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ ، هَذَا وَقَدْ حَاوَلَتُ جُهْدِی أَنْ أُزَاوِجَ بَیْنَ آرَاءِ المُحَدِّثِینَ وَالفُقَهَاءِ فِی هَذِهِ الجُزْئِیةِ الشَائِکَةِ ، فَإنْ کَانَ صَوَابَاً فَمِنْ الله وَحْدَهُ، وَإنْ کَانَتْ الأخْرَى فَمِنْ نَفْسِی وَتَقْصِیری ، وَأسْأَلُهُ تَعَالى أَنْ لا یَحْرِمَنِی الأجْرَ الوَاحِدَ عَلى اجْتِهَادِی، واللهُ خَیْرُ مَأمُولٍ وَأَکْرَمُ مَسْئولٍ .