انتشار معتقدات الاباضية في المغرب الاوسط وعلاقتها بالمشرق (93ه/711م-140ه/757م)
الملخص
يَعرض البحثُ الحاليُّ انتشار مُعتقدات الإباضيَّة في بلاد المغرب، ويكشفُ عن علاقتها بالمشرق العربيّ في النِّصف الثَّاني والأخير من الحكم الاموي، وبدايات الدَّولة العباسيَّة، الَّتي سيطرت على العالم الإسلاميّ.تعدُّ معتقدات الإباضيَّة من أكثر مُعتقدات الخوارج اعتدالاً وتسامُحاً مع مخالفيهم من الفِرَقِ الأُخرى، وهم الأقربُ فكرًا ومعتقدًا إلى أهل السُّنَّة والجماعة ، وهم الأقلُّ غُلوًّا وتَطرُّفا، لذلك، دامت معتقداتهم، وبقي وجودهم حافلا إلى الوقت الحاضر، فلم ينقرضوا - كما انقرضتِ الفِرَقُ المتطرِّفة الأُخرى، لأَجْلَ ذلكَ، برز منهم علماءُ كبار وفقهاءُ في علوم الدِّين والحديث.ويرجعُ الفضل في تنظيم الدَّعوة الإباضيَّة وترتيبها إلى جابرٍ بنِ زيدٍ، وإلى سياسته الذَّكيَّة، المتمثّلة في البُعد عن التَّطرُّفِ، واستعمال التّقية الدِّينيَّة، وحُسْنِ اختيار الدُّعاة، الذين كان يرسِلُهم إلى الأقاليم الإسلاميَّة، كذلك، نجح جابرٌ في ربط أهداف الدّعوة بأهداف كثير من النَّاس، الذين كانوا يعارضونَ الحُكم الأمويَّ،الأمر الذي مكنَّه من اجتذاب عناصر مختلفة من قبائلَ وأجناسٍ متعدّدة، فأصبحتِ الدَّعوة الإباضيَّة حركةً معارضةً شاملةً لنظام الحكم، على الرَّغم من كونها سريّة .تسلَّمَ - بعد وفاة جابر- زمامَ الدَّعوة أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التَّميمي، وهو أحد أعلام تلاميذ جابر بن زيد، الذي أسس في البصرة مكاناً للدِّراساتِ الإباضيَّة، أشرف عليه بنفسه، وأخذ يعلِّم الطلبة، ويدرِّبُهم على نشر الدَّعوة نشراً سليماُ فاعلاً، ثم يبعث دعاة - كان قد أَطلق عليهم اسم حملة العلم- إلى مختلف الاقاليم، وكان يزوِّدُهم بمعلومات مهمّة تساعدهم على أن يقوموا بعمل سياسي ما ، وفي الوقت نفسه، نشر الدَّعوة الإباضية سرًّا، إلى أنْ تصبح الظروف ملائمةً ومهيأةً لهم لنشرها علانية، فانتشرت دعوتهم في بلاد فارس، وزنجبار وبلاد المغرب، ويُرجِعُ المؤرِّخونَ سبب نجاح الإباضيّة وظهورها وانتشارها في المغرب إلى نشاط الدّعاة المَشارقة، الّذين وصلوا إلى المغرب في القرن الأوّل الهجريّ / السَّابع الميلادي، فقد أخذوا في نشر دعواتهم بين قبائل البربر الساخطة على الدولة، .وكان أهم نتائج الدعوة الإباضيّة قيام الدَّولة الرستمية في بلاد المغرب على يد عبد الرحمن بن رستم، أحد تلاميذ أبي عبيدة، الذي كان من حملة العلم ، بعد مقتل زميله أبي الخطاب على يد القائد العباسيّ محمد بن الأشعث .