التعلیم فی الاندلس حتى نهایة القرن الرابع
الملخص
لعل من ابرز السمات التی عرفت فی الأندلس ؛ الازدهار الثقافی والعلمی الذی ساد فی البلاد بعید الفتح الإسلامی بفترة قلیلة ، مما کان موضع عنایة المؤرخین وأصحاب التراجم الأدبیة والعلمیة من المشارقة والأندلسیین على حد سواء .
یقول ابن بسام : (... وبالجملة فأکثر أهل بلاد هذا الأفق اشراف عرب المشرق أفتتحوها وسادات أجناد أهل الشام نزلوها فبقی النسل فیها بکل اقلیم على عرق کریم فلا یکاد بلد فیها یخلو من کاتب ماهر وشاعر قاهر ، إن مدح - ما کثیر عنده بکثیر وان هجا أخرس لسان جریر ...).
واوضح المؤرخون حب الأندلسیین للعلم والثقافة وحرصهم على التعلم وبذلهم الجهود الکبیرة والأموال الطائلة فی سبیل ذلک لایبالون بجهد ولا یترددون فی منع او عطاء ، یقول المقری: (... وأما حال أهل الأندلس فی فنون العلوم فتحقیق الانصاف فی شأنهم فی هذا الباب أهم أحرص الناس على التمییز فالجاهل الذی لم یوفقه الله للعلم بجهد أن یتمیز بصنعه ، او یربأ بنفسه أن یرى فارغا عاله على الناس لان هذا عندهم فی غایة القبح والعالم عندهم معظم من الخاصة والعامة یشار الیه ویحال علیه وینبه قدره وذکره عند الناس ویکرم من جوار او ابتیاع حاجة وما أشبه ذلک ...) (۲)
ولم یکن اقبال الاندلسیین على العلم وتعلقهم به خوفا من سلطان او رغبة فی مغنم مادی او نفوذ اجتماعی وانما کان اقبالهم على العلم للعلم ذاته ، ومن ثم کان علماؤهم متقنین لفنون علمهم لانهم یسعون الیها مختارین غیر مدفوعین بهدف غیر التعلم ، وکان الرجل ینفق ما عنده من مال حتى یعلم ومن عرف بالعلم اصبح فی مقام التکریم والإجلال ، ویشیر الیه الناس بالبنان ویعلو ذکره)وکانت قرطبة - باعتبارها مرکز الخلافة وموطن السیادة والریادة - مرکزا هاما رئیسا من مراکز الاشعاع الثقافی والعلمی ومحط أنظار العلماء وطلبة العلم من انحاء الأندلس او من خارجها ، مسلمین وغیر مسلمین .
وقد وصف ابن بسام قرطبة وما کانت تحتله من المکانة الرفیعة السامیة من حیث العلم والثقافة :( ... وحضرة قرطبة منذ استفتحت الجزیرة هی کانت منتهى الغایة ومرکز الرایة وام القرى وقرارة اهل الفضل والتقی ووطن اولى العلم والنهی وقلب الاقلیم وینبوع متفجر العلوم ... ) .