قبل الشروع فی دراسة القصیدة للکشف عن تجَسُّد الحزن الذی غلب على قصیدة الشاعر محمد بن عبد الملک الزیات أسلوبیاً لابد من الإشارة إلى طبیعة المعانی الإنسانیة التی تمیَزَ بها البشر من سائر خلقِ الله من الأمم الأخرى من الحیوانات،فهذه المعانی دفینة فی النفس الإنسانیة ومجردة لا یمکن للإنسان إدراکها قبل أنْ یُحولَّها المتکلِّم إلى لُغة تُدرکها الأبصار،وصناعة الکلام بهذا المفهوم تعنی: تحویل المُجرَّد إلى محسوس عبر عملیات معقدة من التفکیر بالجزئیات وبناء الفکرة الکلیة وانتقاء ألفاظ مناسبة ووضعها فی أسلوب لإنشاء النص،وهذه المسألة بحثها الفلاسفة واللغویون على حدٍّ سواء.        ومایُعنى به البحث دلالة لفظة ((التجسید)) على وفق کون موضوع البحث: تجسید الحزن أسلوبیاً فی نونیة ابن الزیات، ولذلک نستطیع القول: إنَّ تجسید الحزن أسلوبیاً هو عملیة تحویل الحزن وهو شعور نفسیٌّ مجردٌ لاتدرکه الحواس إلا عبر آثاره إلى بنىً لغویةٍ جزئیة تتشکَّل مع بعضها لتکوین الأسلوب الکُلیِّ للنص،ومن المتعارف علیه أنَّ البنى اللغویة أوعیة للمعانی.