التنوع العرقی والثقافی "تضاد أم تضامن"
الملخص
یقترن الحدیث عن التنوع العرقی والثقافی فی أحیان کثیرة بإشکالات سیاسیة واجتماعیة تواجهها المجتمعات ولعل تتبعا للأخبار التی تنقلها وکالات الأنباء عن المصادمات والحروب الصغیرة التی تشن هنا وهناک تحت ذرائع طائفیة وعنصریة یوضح لنا مدى عمق مشکلة الاختلاف بین الجماعات الإنسانیة واتساعها. ولکن إذا أدرکنا أن عالم السیاسة لیس هو المجال الصحیح لاختبار صحة ودقة ما یقال ندرک أهمیة ان یدلی الباحثون والمختصون بدلوهم فی هذا الموضوع لان موضوعیة الباحث وعدم تحیزه – وهما شرطان ضروریان للبحث العلمی – کفیلان بمناقشة المواضیع الساخنة بعیدا عن الانفعال والتطرف ... وان کان هذا لا یعنی بالضرورة عدم انسیاق البعض وراء الأفکار النمطیة الجاهزة کما انه لا یعنی عدم استخدام الساسة للحقائق الموضوعیة بالطریقة التی تناسب أهدافهم. ان العالم یزخر بالثقافات الفرعیة، وتنمو هنا وهناک مثل النبات البری شجیرات ثقافیة صغیرة قد یقیـّض لبعضها النمو ولبعضها الآخر الجفاف فالکثیر من الجماعات تسعى لتمییز أنفسها ایدیولوجیا واجتماعیا وتنظیمیا وتخلق لأجل ذلک العشرات من الشارات والطقوس التی تحاول أن تخلق التشابه بین أعضائها من جهة وتمیزهم عن الآخرین من جهة أخرى، ففی وسط عالم تسعى الشرکات العملاقة ووسائل الاتصال الجماهیری ذات القدرة التأثیریة البالغة إلى تنمیطه وفق ما یسهل أدارته تنبثق هنا وهناک أشکال من الاحتجاجات الصامتة والعلنیة وتبرز الحاجة لتعمیق أو حتى إیجاد الاختلاف. اما المجتمعات ذات العمق التاریخی والتی تساهم فیها ثقافات فرعیة إلى جانب الثقافة الرئیسة فإنها کانت ولا زالت أوفر حظاً لأن عملیات التثاقف ( Acculturation ) التی قامت بین جماعاتها لم تسع لإذابة التنوع وإنما قامت العلاقة على أساس الفهم وقبول الاختلاف وقدمت کل جماعة أو ثقافة ما لدیها على بساط ثقافة أساسیة مشترکة، فکانت لدیها الفرصة لأن تحتفظ بتنوعها فی الوقت نفسه الذی قویت فیه وحدتها، وهذا البحث محاولة متواضعة للإشارة إلى هذا النوع.