مِمَّا يَتَدَاوَلُهُ النَّاسُ مِنَ العَامِّ وَالخَاصِّ
الملخص
الحمد لله ذي الجلال والإكرام ، الذي خلق الإنسان في أحسن قوام. والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه أئمة الهدى ومصابيح الظلام. إنّ اللغة هي وعاء العلوم والآداب. وبما أنّها ظاهرة اجتماعية، لذا فإنّها تخضع للقوانين والأنظمة الحتمية التي تفرزها طبيعة الحياة. فالألفاظ تتطور باستمرار؛ إذ تتغير معاني الكلمات وفق هذه القوانين. كتخصيص العام وتعميم الخاص وتغير مجال الدلالة ونحوها. وذات يوم وقع في يدي كتاب فقه اللغة وسرّ العربية للثعالبي. فاستوقفني موضوع العام والخاص. إذ عقد لذلك فصلاً، فقال: فصل في العموم والخصوص. وجمعتُ مادة البحث من مصادر متنوعة ، ومن أهمها كتب اللغة كالمعاجم ، وما إليها من كتب أخر اعتمد البحث عليها. وانتظمت هذه المادة في عشرين مبحثاً. رتبت هذه المباحث ترتيباً هجائياً بحسب ما ورد منها في ألفاظ العموم، وفق أصل المادة في جذرها الثلاثي. ثم بحثت ما جاء من ألفاظ الخصوص مع ما يقابله من مادة لغوية في ألفاظ العموم. وتفاوتت هذه المباحث بحسب ما جاء منها في كتب اللغة. ثم مهدت للموضوع ببيان الدلالة اللغوية لمصطلحي العموم والخصوص. وكيفية تطور معناهما. فالخصوص ما يتناول بعض ما يتناوله العموم. في حين أنّ العموم يدل على السعة والشمول. وهذه الألفاظ تغطي مساحة واسعة في حياة الإنسان اليومية. ومن هذه الألفاظ ما لا يُعرَف معناها الدقيق إلا من معاجم اللغة كالفِرْكِ مثلاً. فإنّها تعني البُغض المأخوذ من فرك الشيء وفتله. ثم استُعمِل مجازاً في البُغض الخاص ما بين الزوجين. وتمتاز اللغة العربية بدقة تعبيرها، ومن دقائقها أنّها تُطلِق المقيل على الراحة في منتصف النهار. فالقيلولة في كلام العرب هي الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحرّ، وإنْ لم يكن مع ذلك نومٌ، بدليل قوله تعالى:(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقَِيلاً)(الفرقان:24)، فليس في الجنّة نومٌ. ويُعَدُّ من الإعجاز العلمي في السُّنة النبوية ما جاء في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحث على القيلولة، حين قال:( قََيِّلُوا فَإِنَّ الشَّياطِينَ لا تَقِيلُ). فقد أكد العلم الحديث على فوائد القيلولة لمدة(40) دقيقة وليس أكثر. فهي تُكسب الجسم راحةً وتُخفف من مستوى التوتر في الدم ، وتُريح ذهن الإنسان وعضلاته، ويُعيد شحن قدراته على التفكير والتركيز، وتزيد انتاجيته وحماسه للعمل. ولذلك بدأت الدول الغربية تُدرج القيلولة في أنظمتها اليومية. ووجود هذه الألفاظ يُعَدُّ مظهراً من مظاهر تطور اللغة. فالعموم قد يوضع موضع الخصوص، كما يوضع الخصوص موضع العموم ، إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبب. ويتجلى هذا في عدة ألفاظ وردت في أثناء البحث. وأرجو أنني قد قدّمت خدمة لهذه اللغة الكريمة، التي حباها الله عزّ وجلّ، بكل خصائص الجمال والكمال. وما ذلك إلا بفضل الله ورحمته ،(ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(الجمعة:4)، فهو القادر على ذلك، ومنه نستمد العون والسداد والحمد لله رب العالمين.